كلام في التوبة
وتعظيم الجناية يصدر عن ثلاثة أشياء : تعظيم الأمر ،
وتعظيم الآمر ، والتصديق بالجزاء .
وأما اتهام التوبة فلأنها حق عليه ، لا يتيقن أنه أدى
هذا الحق على الوجه المطلوب منه ، الذي ينبغي له أن يؤديه عليه ، فيخاف أنه ما
وفاها حقها ، وأنها لم تقبل منه ، وأنه لم يبذل جهده في صحتها ، وأنها توبة علة وهو
لا يشعر بها ، كتوبة أرباب الحوائج والإفلاس ، والمحافظين على حاجاتهم ومنازلهم
بين الناس ، أو أنه تاب محافظة على حاله ، فتاب للحال لا خوفا من ذي الجلال ، أو
أنه تاب طلبا للراحة من الكد في تحصيل الذنب ، أو اتقاء ما يخافه على عرضه وماله
ومنصبه ، أو لضعف داعي المعصية في قلبه ، وخمود نار شهوته ، أو لمنافاة المعصية
لما يطلبه من العلم والرزق ، ونحو ذلك من العلل التي تقدح في كون التوبة خوفا من
الله ، وتعظيما له ولحرماته ، وإجلالا له ، وخشية من سقوط المنزلة عنده ، وعن
البعد والطرد عنه ، والحجاب عن رؤية وجهه في الدار الآخرة ، فهذه التوبة لون ،
وتوبة أصحاب العلل لون .
ومن اتهام التوبة أيضا : ضعف العزيمة ، والتفات القلب
إلى الذنب الفينة بعد الفينة ، وتذكر حلاوة مواقعته ، فربما تنفس ، وربما هاج هائجه
.
ومن اتهام التوبة : طمأنينته ووثوقه من نفسه بأنه قد
تاب ، حتى كأنه قد أعطي منشورا بالأمان ، فهذا من علامات التهمة .
ومن علاماتها : جمود العين ، واستمرار الغفلة ، وأن
لا يستحدث بعد التوبة أعمالا صالحة لم تكن له قبل الخطيئة
----
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق